نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 507
وقد تقدم ذكر مثل هذه الآية وأحكام الربا في سورة البقرة، وقوله أَضْعافاً نصب في موضع الحال، ومعناه: الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين، فكان الطالب يقول: أتقضي أم تربي؟ وقوله:
مُضاعَفَةً إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام، كما كانوا يصنعون، فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حال التضعيف خاصة، وقد حرم الله جميع أنواع الربا، فهذا هو مفهوم الخطاب إذ المسكوت عنه من الربا في حكم المذكور، وأيضا فإن الربا يدخل جميع أنواعه التضعيف والزيادة على وجوه مختلفة من العين أو من التأخير ونحوه.
والنَّارَ في قوله: وَاتَّقُوا النَّارَ هي اسم الجنس، ويحتمل أن تكون للعهد، ثم ذكر أنها أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ، أي إنهم هم المقصود والمراد الأول، وقد يدخلها سواهم من العصاة، فشنع أمر النار بذكر الكفر، وحسن للمؤمن أن يحذرها ويبعد بطاعة الله عنها وهذا كما قال في الجنة: أعدت للمتقين، أي هم المقصود، وإن كان يدخلها غيرهم من صبي ومجنون ونحوه ممن لا يكلف ولا يوصف بتقوى، هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية، وحكى الماوردي وغيره، عن قوم أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الربا إنما توعدهم الله بنار الكفرة، إذ النار سبع طبقات، العليا منها وهي جهنم للعصاة، والخمس للكفار والدرك الأسفل للمنافقين، قالوا: فأكلة الربا إنما يعذبون يوم القيامة بنار الكفرة لا بنار العصاة، وبذلك توعدوا، فالألف واللام على هذا في قوله وَاتَّقُوا النَّارَ إنما هي للعهد.
ثم أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، والطاعة هي موافقة الأمر الجاري عند المأمور مع مراد الأمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني، وقال محمد بن إسحاق إن هذه الآية من قوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد، وانهزام من فر وزوال الرماة عن مراكزهم.
قوله تعالى:
[سورة آل عمران (3) : الآيات 133 الى 134]
وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
قرأ نافع وابن عامر: «سارعوا» بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام، وقرأ باقي السبعة بالواو، قال أبو علي: كلا الأمرين شائع مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو، وأمال الكسائي الألف من قوله سارِعُوا ومن قوله يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [المؤمنون: 61] ونُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ [المؤمنون: 56] في كل ذلك، قال أبو علي: والإمالة هنا حسنة لوقوع الراء المكسورة بعدها، والمسارعة المبادرة وهي مفاعلة، إذ الناس كأن كل واحد يسرع ليصل قبل غيره، فبينهم في ذلك مفاعلة، ألا ترى إلى قوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ [المائدة: 48] وقوله إِلى مَغْفِرَةٍ معناه: سارعوا
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 507